السبت، 3 ديسمبر 2011

جووجل أدرى بشعاب مكة


 سأحاول أن ادخل في الموضوع مباشرة ودون مقدمات , حتى لا تستغرق المقدمة جزءا من وقتكم , وحتى لا يضيع المعنى المقصود في المقدمة .
 أسمحوا لي  أن أقارن بين موقف الياباني والعربي من ما يكتب حول وطنه .

 في اليابان , والتي تعلمت فيها وعشت فيها ردحا من الزمن وعملت معهم , تجد الياباني يحثك على الكتابة عن اليابان , وان تحاول أن تتلمس مواطن النقص أو الاختلاف مع ما تراه صحيحا ,  بالرغم من كون الحضارة في اليابان تختلف كليا عن الحضارات الأخرى ,
فالحضارة في اليابان مبنية على أسس محلية وبجذور صينية وبلغة ممزوجة بين الصينية والمحلية وبتاريخ مختلف كليا عن أي دولة أخرى . وبقواعد سلوك مختلفة وديانة تعتمد على الشنتوية والبوذية , وتمازج غريب بينها وبين الحضارة الغربية .
رغم هذا تجد اليابانيون شغوفون كثيرا بالإطلاع على وجهات النظر الخارجية , وكيف ترى المجتمع والسياسة والاقتصاد , ولا يحسون بالحرج عندما ينتقد احدهم سلوكا ما أو حادثة ما , بل تجدهم يقرؤون  بشغف , بل وكثيرا ما تقام ندوة أو حلقة لدراسة ما كتب احدهم عن اليابان , بل وتجدهم يهتمون بالنقد اكثر كثيرا من المدح أو الوصف . ويعتقدون أن النقد لمجتمعهم هو الوسيلة الصحية والسليمة لتطوير المجتمع من كافة النواحي .
وكم كتبت لصحف يابانية مثل اليوميوري او اساهي ,  والكثير من الصحف الأخرى , وكانت الجامعة  تقيم حلقة نقاش حول ما كتبت , ويسرون جدا عندما أوافق على حضور الحلقة , لم اسمع منهم أي قول يمسني شخصيا أو يمس وطني , بل دائما ما كان النقاش حول ما كتبت فقط , ودائما ما نخرج وقد استفاد الجميع من الحلقة التي أقيمت ,
هكذا تطور المجتمع الياباني وتطور الاقتصاد الياباني , بتقبله النقد بل وبالبحث عن من ينتقد ويحاول أن يبين العيوب التي يراها . تطور بحيث أن العالم استغرب لقوة الاقتصاد الياباني بعد حادثة الزلزال الأخيرة وما تلاها من تسونامي وكارثة المفاعلات الذرية , هذه المصائب التي حدثت بفارق ساعات قليلة عن بعض , ورغم هذا لم يتزعزع الاقتصاد , وأذكر أني طلبت شراء بعض الأسهم اليابانية , حيث ظننت إنها فرصة لشراء بعضها فهي قد تتدهور , فوجدتها جميعا ثابتة لم تتزحزح , فقررت ان اشتري بعض العملة اليابانية حيث إنها ستسقط لفترة بعد الزلزال ثم تعاود الارتفاع , ويا للغرابة , فلقد ارتفعت أو ظلت ثابتة حتى وهم يتعرضون لأكبر كارثة خلال هذا القرن .
فلله درهم من أناس بحثوا عن النقد وليس عن المدح , وعملوا على الاستفادة من النقد .

ولكن لنطلع على ما يقابله عند العربي , فانك عندما تكتب ممتدحا بلدا ما , فستقابل بالترحاب وبالورود وبالعود والبخور , وستعامل معاملة الملوك , ولكن إياك ثم إياك أن تنتقد , فلن يرحمك أحد , إن انتقدت فأنت تتآمر على البلد , وأنت مدسوس وعميل وخائن , و إذا رحموك فسيكتفون بالقول, اسكت فأهل مكة أدرى بشعابها . وأنت لا تعلم من أمر البلد شيئا , وكأن الروابط الدينية واللغوية والاجتماعية والتاريخية لا تعني شيئا , ورغم انك مطلع على تاريخ البلد السياسي والاقتصادي بل والاجتماعي, إلا انك لا تحمل جنسية البلد فلذلك لا يحق لك أن تكتب .
ويل للأردني الذي يكتب عن دولة خليجية , وويل للمصري الذي يكتب عن السعودية , وويل للسعودي الذي يكتب عن الجزائر .
كأن الكتابة عن بلد ما محصورة فيمن يحمل جنسيته , وولد على أرضة .
متى نعلم أن الكتابة حق للكاتب , وليست حق للقارئ . فكما يحق للقارئ أن يختار من يقرأ له , فيحق للكاتب أن يكتب ماذا يريد أن يكتب .
متى نعلم إن من أجمل الكتابات النقدية وأصحها  لمجتمع ما هي ما تصدر من كاتب محايد لا مطمع له سوى أن يكتب ما يعتقد صحيحا . ومتى نجلس لنناقش الفكر وليس شخصية الكاتب , ومتى نعلم أن الحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق بها , ومتى نعلم أن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال .

أتمنى أن نرقي في تفكيرنا بحيث نجد أن الناقد ليس عدوا , بل صديقا يحاول إصلاح خطأ لدينا , وأتمنى أن ندرس قول سيدنا علي كرم الله وجهه " رحم الله من أهدى إلي عيوبي " فاعتبر النقد وإظهار العيوب  هدية يستحق مهديها الدعاء بالرحمة .
متى تنتهي لدينا مقولة أهل مكة أدرى بشعابها , فخرائط جووجل فتحت معرفة الشعاب للكل , وتبدل المثل وأصبح , فجووجل أدرى بشعاب مكة حتى من أهل مكة أنفسهم .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان

هناك 8 تعليقات:

  1. الدكتور صالح:

    أصلح الله رأيك، لا تضيع وقتك في الرد على هئولاء، فالناس لا يحاربون إلا من ينجح. فأما أن تضيع ثلاثة مقالات في اسبوع واحد للرد على من يسبك أو ينتقدك فهذا لعمري ليس من عادات "اليابانيين" الذين يقدسون الوقت. فانطلق و تحدث كما تريد و دعنا ننسى معاهدة سايتس بيكو خلف ظهورنا.

    احمد المرخي

    ردحذف
  2. أبدعت ولخصت الوقائع في سطور سلسة وقيمة أخ صالح .. المقال رائع وقيم جدا .

    ردحذف
  3. بارك الله فيك ياأخي كلامك سليم وصحيح وبناء في تنمية البشرية العربية بطريقة غير مزعجة بالنسبة للبعض,
    وشكراً مرة أخري
    عماد
    طرابلس ليبيا

    ردحذف
  4. باركة الله فيك اخي صالح

    ردحذف
  5. حسين بن حسونه3 ديسمبر 2011 في 10:03 م

    صدقت فانت لا يحق لك ان تكتب ان لم تكن من اهل البلاد و الويل لك ان كتبت و انت من اهل البلاد للاسف هذا حالنا

    ردحذف
  6. لافظ فوك يا أخ صالح ... أو لا عطل الله كي بوردك

    ردحذف
  7. Thanks a lot dr. Salih for these kind words, really we need to be reminded and to follow and apply these wisdom words in our practical life, we missed these pints in Libya and in all Arabic countries, and I hope from the spring revolutions to change our minds as well and to follow our prophet Mohamed and his Sonna.
    I hope to read more like these words and to keep in touch with you.
    Kind regards
    Tariq.lutfi@gmail.com

    ردحذف
  8. كما أن اليابانيين يستفيدون من النقد لبلدهم لتصحيح مسارهم أرجو أن تستفيد من النقد الموجهه لك في زيادة إظلاعك على كل جوانب ما تكتب وفقك الله وسدد خطاك

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام